recent
أخبار ساخنة

**أوراق النعي: نافذة مذهلة على القيم المتغيرة للمجتمعات وتأثير الأحداث الكبرى على مفهوم "الحياة المثالية"**

 

**أوراق النعي: نافذة مذهلة على القيم المتغيرة للمجتمعات وتأثير الأحداث الكبرى على مفهوم "الحياة المثالية"**

 

في عالم يتسارع فيهالتغيير، وتتوالى فيه الأحداث الكبرى التي تُشكل وعينا وتجاربنا، تبرز أوراق النعي كمصدر فريد وغني بالمعلومات التي تُسلط الضوء على القيم المجتمعية المتغيرة. فما الذي تُخبرنا به الكلمات التي نختارها لتخليد ذكرى أحبائنا الراحلين عن حياتنا؟ وكيف تُعيد الأزمات الكبرى تشكيل مفهومنا لماهية الحياة التي تستحق الاحتفاء؟

في عالم يتسارع فيه التغيير، وتتوالى فيه الأحداث الكبرى التي تُشكل وعينا وتجاربنا، تبرز أوراق النعي كمصدر فريد وغني بالمعلومات التي تُسلط الضوء على القيم المجتمعية المتغيرة. فما الذي تُخبرنا به الكلمات التي نختارها لتخليد ذكرى أحبائنا الراحلين عن حياتنا؟ وكيف تُعيد الأزمات الكبرى تشكيل مفهومنا لماهية الحياة التي تستحق الاحتفاء؟
**أوراق النعي: نافذة مذهلة على القيم المتغيرة للمجتمعات وتأثير الأحداث الكبرى على مفهوم "الحياة المثالية"**


**أوراق النعي: نافذة مذهلة على القيم المتغيرة للمجتمعات وتأثير الأحداث الكبرى على مفهوم "الحياة المثالية"**

  • دراسة حديثة ومُعمقة، أجرتها جامعة ولاية ميشيغان الأمريكية، قدمت رؤى مذهلة في هذا الصدد.
  •  امتدت هذه الدراسة لأكثر من ثلاثة عقود، وشملت تحليل ملايين أوراق النعي، لتكشف كيف أن القيم
  •  التي نُشيد بها في حياة المتوفين ليست ثابتة، بل تتطور وتتغير مع الزمن، متأثرة بعوامل متعددة مثل
  •  العمر والجنس والأحداث التاريخية الكبرى التي تُغير مجرى التاريخ.

**النعي كمؤشر ثقافي دراسة لـ 38 مليون نعي**

 

شملت الدراسة تحليل بيانات ضخمة تضمنت 38 مليون نعي تم نشرها منذ عام 1994. لم يقتصر البحث على رصد السمات الشائعة، بل تعمق في فهم كيفية تأثير أحداث كبرى، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وجائحة كوفيد-19 العالمية، على السمات التي يربطها الأفراد بالمفهوم المتغير "للحياة التي تستحق التكريم والاحتفاء".

 

  • البروفيسور ديفيد ماركويتز، المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة الرائدة، أوضح أهمية أوراق النعي
  •  كمصدر للمعلومات، قائلاً: "أوراق النعي تُشكل مصدراً فريداً لاستقاء المعلومات وفهم كيف تُقيم
  •  المجتمعات أنماط الحياة المختلفة." وأضاف: "إنها تكشف عن أنماط أوسع من التذكر من خلال إظهار
  • من يُحتفى بهم ولماذا، وكيف تُعبر القيم الثقافية عن نفسها عبر هذه الممارسات التذكارية". هذه
  •  الكلمات تلخص جوهر البحث: أوراق النعي ليست مجرد إعلانات للوفاة، بل هي مرايا تعكس روح
  •  العصر والقيم التي تسوده.

 

**تأثير الأحداث الكبرى على قيم النعي**

 

**1. جائحة كوفيد-19: تراجع الإحسان وصعود التقاليد الدينية**

 

لعل أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة كانت تلك المتعلقة بتأثير جائحة كوفيد-19. ففي فترة اتسمت بالتحديات الصحية العالمية، والتضحيات المجتمعية غير المسبوقة، لوحظ تراجع ملحوظ في الإشارة إلى سمات مثل الإحسان والاهتمام بالآخرين في أوراق النعي. 

  1. وعلق البروفيسور ماركويتز على هذه الظاهرة قائلاً: "في وقت كانت المجتمعات تبذل تضحيات
  2.  استثنائية من أجل الخير العام، قل تركيز أوراق النعي على رعاية الآخرين". هذا التراجع قد يبدو
  3.  مفارقة، لكنه قد يعكس تركيز الأفراد خلال الأزمة على البقاء والتعامل مع الظروف الصعبة، مما أثر
  4.  بشكل غير مباشر على التركيز على سمات الإحسان في التكريم.

 

في المقابل، شهدت نفس الفترة (منذ تفشي الجائحة) ازدياداً في ذكر التقاليد المرتبطة غالباً بالدِين. وقد وجدت الدراسة ارتباطاً وثيقاً بين الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 والإشادة بالتقاليد. يُمكن تفسير هذا التحول بالبحث عن العزاء والراحة في المعتقدات الروحية والتقاليد الدينية خلال فترات الأزمات والحداد الجماعي، حيث توفر هذه التقاليد إطاراً لفهم الموت وتجاوزه.

 

**2. هجمات 11 سبتمبر 2001: الإحسان يعلو على الأمن**

 

أظهرت الدراسة أيضاً تأثيراً لافتاً لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ففي أعقاب هذه الهجمات المأساوية، تضمنت أوراق نعي الضحايا في مدينة نيويورك إشارات أكثر إلى الإحسان مقارنة بأوراق النعي خارج الولاية.

  •  وفي الوقت نفسه، انخفض ذكر القيم المرتبطة بالأمن. هذه النتيجة تشير إلى تحول في الأولويات
  •  حيث يميل الناس في مواجهة المآسي الجماعية إلى تقدير التكافل والتعاون والإحسان كقيم عليا، ربما
  •  كنوع من الاستجابة الإنسانية للألم المشترك، بينما يتراجع التركيز على الأمن الذي ربما بدا مهتزاً في
  •  تلك اللحظة.

 

وأوضح البروفيسور ماركويتز هذا التأثير قائلاً: "هذه النتائج تشير إلى أن الأحداث المؤلمة لا تؤثر فقط في ردود أفعال الناس خلال تلك اللحظة، بل تؤثر أيضاً في كيفية استيعابهم لاحقاً للمعنى والذاكرة، وقد يختلف هذا التأثير تبعاً لمكان إقامة الناس ووفاتهم".

 

**3. الأزمة المالية العالمية 2008 تراجع الإنجاز وصعود الاستمتاع بالحياة**

 

الأزمة المالية العالمية عام 2008 كان لها أيضاً بصمتها الواضحة على قيم النعي. فبعد هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، تراجعت الإشارة إلى الإنجازات في أوراق نعي المتوفين. وبعد عام واحد، شهدت هذه الأوراق ارتفاعاً محدوداً في مظاهر التمتع بالحياة. هذا التحول يشير إلى إعادة تقييم للنجاح والفشل، حيث قد يجد الناس أنفسهم يعيدون تعريف أولوياتهم بعيداً عن السعي المادي المحض، ويتجهون نحو تقدير اللحظات السعيدة والاستمتاع بالحياة كقيمة في حد ذاتها.

 

  1. وأشار البروفيسور ماركويتز إلى أن "ربما يعكس هذا التحول تحسناً نفسياً حيث بدأ الناس يركزون
  2.  على القيم المرتبطة بالرضا بدلاً من البقاء الشخصي على المدى الطويل". هذا يعني أن الأزمات
  3.  الاقتصادية قد تُحفز الناس على البحث عن معنى أعمق في الحياة، يتجاوز مجرد الإنجازات المادية.

 

**الفروق بين الجنسين والأعمار في قيم النعي**

 

بالإضافة إلى تأثير الأحداث الكبرى، حددت الدراسة اختلافات واضحة في السمات التي يُحتفى بها بحسب العمر والجنس، مما يعكس تطوراً ثقافياً دائماً في فهم الحياة المثالية.

 

*   **الرجال مقابل النساء:** يُذكر الرجال عادة بصفات مثل السلطة، والإنجاز، والاتساق في شخصيتهم. بينما تُذكر النساء عادة بالإحسان، والرعاية، والقدرة على الاستمتاع بالحياة. هذه الفروق قد تعكس أدواراً اجتماعية تقليدية أو تصورات مجتمعية لكلا الجنسين.

*   **كبار السن مقابل الشباب:** ركزت أوراق نعي كبار السن بصورة أكبر على التقاليد والاتساق، وهي سمات ظهرت بشكل أقل في أوراق نعي الشباب. هذا التباين قد يُشير إلى أن التقاليد والقيم الراسخة تُصبح أكثر أهمية مع التقدم في العمر، بينما قد تُركز أوراق نعي الشباب على سمات أكثر حداثة أو مرتبطة بتجاربهم القصيرة.

 

**منهجية الدراسة قيم عالمية لتصنيف النعي**

 

اعتمد الباحثون في تصنيف القيم الواردة في نعي المتوفين على 10 مبادئ توجيهية عالمية للقيم (قيم عابرة للثقافات)، حددها عالم النفس الاجتماعي شالوم إتش شوارتز. وشملت هذه القيم: التقاليد، والانسجام، والأمان، والسلطة، والإنجاز، والاستمتاع بالحياة، وغيرها.

 

  • وقد حظيت "التقاليد" بصورة عامة بالإشادة الأكبر، إذ ظهرت في 80% من سجلات النعي، ويليها
  •  مباشرة "الإحسان" الذي ظهر في 76% من السجلات. هذا يؤكد على الأهمية الكبيرة للقيم المجتمعية
  •  والعلاقات الإنسانية والروابط العائلية في مجتمعاتنا.

 

**خاتمة**

 

تُقدم دراسة جامعة ولاية ميشيغان رؤى قيمة ليس فقط حول كيفية تذكرنا لموتانا، بل أيضاً حول كيفية تطور مجتمعاتنا وقيمها. أوراق النعي، تلك النصوص المختصرة والمؤثرة، تتحول إلى وثائق تاريخية واجتماعية تعكس التحولات العميقة في وعينا الجماعي.

 إنها تُذكرنا بأن مفهوم "الحياة المثالية" ليس ثابتاً، بل هو مفهوم ديناميكي يتأثر باللحظة التاريخية، والظروف الاجتماعية، وحتى الأزمات الكبرى التي تُعيد تشكيل أولوياتنا ومعتقداتنا. فهم هذه التحولات يساعدنا على فهم أعمق للنسيج الاجتماعي الذي نعيش فيه وللإرث الذي نتركه وراءنا.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent